بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد
الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم
علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً
وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن
يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات
إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس التربية الإسلامية ، وسيكون محور
هذا الدرس ما نحن قادمون عليه بعد عدة أسابيع من فريضة تعد ثاني أكبر
العبادات في الإسلام .
أصول الإسلام :
لكن بادئ ذي بدء : العبادات في هذا الدين العظيم كما قال الإمام الشافعي :
معللة بمصالح الخلق ، إن صح أن هناك مثلثاً لهذا الدين العظيم :
المقطع الأول : العقائد .
المقطع الثاني : العبادات .
المقطع الثالث : المعاملات .
المقطع الرابع : الآداب .
فالدين عقيدة ، وعبادة ، وأحكام تعاملية ، وآداب .
1 – العقيدة :
والعقيدة تقع على رأس هذه الأقسام ، وإن صحت العقيدة صح العمل ، وإن فسدت العقيدة فسد العمل .2 – العبادات :
المقطع الثاني : هي العبادات ، العبادات كما قال الإمام الشافعي : معللة
بمصالح الخلق ، فالصلاة بنص القرآن الكريم :﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
أ ـ الصلاة :
الله عز وجل ملك الملوك ، خالق السماوات والأرض ، يمكن أن يأمرنا أن نصلي
ولكن رحمة بنا أعطانا تعليلاًً للصلاة ، كلما كان الآمر أكمل أعطى المأمور
التعليل قال :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
إذاً : الصلاة معللة بمصالح الإنسان ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، والفحشاء والمنكر سبب هلاكه في الدنيا والآخرة .
الآن هذا التعليل مهمته أنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فما قطف
ثماراً من الصلاة ، لئلا تقوم بأفعال لا معنى لها ، لئلا تقوم بأفعال لا
فائدة منها ، لئلا تقوم بأفعال مفرغة من مضمونها ، قال :﴿ وَأَقِمْ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( الصلاة طهور ))
[ ورد في الأثر]
مستحيل أن يكون المصلي حقوداً ، الحقد مرض ، مستحيل أن يكون المصلي ظالماً ،
الظلم مرض ، مستحيل أن يكون المصلي مستكبراً ، الكبر مرض ، واحد .
الشيء الثاني : الصلاة حبور ، سعادة ،(( أرحنا بها يا بلال ))
[ أبو داود]
فالذي لسان حاله يقول : أرحنا منها لم يقطف ثمار الصلاة ، فرق كبير بين أرحنا بها ، وبين أرحنا منها .
والصلاة نور ، من خلال الصلاة ترى الخير خيراً والشر شراً ، ترى الخير
خيراً فتتبعه ، وترى الشر شراً فتجتنبه ، والدليل :﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
( سورة الحديد الآية : 28 )
فالصلاة نور ، والصلاة طهور ، والصلاة حبور ، والصلاة ميزان ، هل تستطيع ،
وبلا مجاملة إن ارتكبت إثماً ، أو اعتديت على إنسان على ماله أو على عرضه
أن تصلي ، بإمكانك أن تقف ، وتقرأ الفاتحة وسورة ، بإمكانك أن تركع وتسجد ،
لكن ليس بإمكانك أن تتصل بالله ، لأن ذنبك حجبك عن الله عز وجل ، فالصلاة
ميزان صارت .(( الصلاة مكيال فمن وفى استوفى ))
[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
( سورة النساء الآية : 43 )
فالذي لا يعلم ماذا يقول في الصلاة إذاً هو لم يصلِ الصلاة التي أرادها الله .(( ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منه ))
[ أخرجه أحمد عن عمار بن ياسر ]
الصلاة قرب ، وفي القرآن الكريم :﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
( سورة العلق )
الصلاة دعاء :
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾
( سورة الفاتحة )
الصلاة ذكر :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
( سورة طه )
الصلاة معراج المؤمن ، الصلاة أصل الطاعات ، وغرة العبادات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .
إذاً العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ، هذه الصلاة .ب ـ الصيام :
الصيام منطلق حديثنا .(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا ))
[ رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس ]
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
[ أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]
معنى ذلك أنه في الصيام بحسب الواحد الديان :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
( سورة البقرة )
لعلك إذا صمت ، وتركت كل المعاصي والآثام ، وأقبلت على الواحد الديان ،
واشتققت منه النور رأيت الحق حقاً والباطل باطلاً :﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
إذاً العبادات معللة بمصالح الخلق .ت ـ الزكاة :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
الغني يطهر من مرض الشح ، قال تعالى :﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
( سورة الحشر )
ومن أدى زكاة ماله أذهب الله عنه الشح ، والفقير يطهر بالزكاة من مرض الحقد
، لأن الفقير يحقد ، فإن أعطيت له الزكاة لا يغدو حاقداً ، والمال يطهر من
تعلق حق الغير به .﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
التزكية أي أن نفس الفقير تنمو ، لأنه شعر أن المجتمع لم ينسه ، ونفس الغني
تنمو حينما يشعر أنه أدخل الفرحة على قلوب الآلاف ، والمال ينمو ، التعليل
:﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
ث ـ الحج :
(( من حج بمال حرام ، ووضع رجله في الركاب ، وقال : لبيك اللهم لبيك ينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
لذلك قال تعالى :﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾
( سورة المائدة الآية : 97 )
أنت لمجرد أن تعلم أن الله يعلم فقد حققت الثمرة من الحج .
بل والنطق بالشهادة من أركان الإيمان ، أن تشهد أنه إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل وما حقها ؟ قال أن تحجبه عن محارم الله ))
قلت كلمة في بداية الدرس : العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ، لو أردنا أن نقف موقفة متأنية عند الصيام .من تعريفات الصيام :
من تعريفات الصيام :
أنه عبادة الإخلاص ، كيف ؟ قد يأتي رمضان في الصيف ، واليوم في الصيف طويل ،
قد يقترب من 17 ساعة ، والحر شديد ، والعطش يكاد يميت الإنسان ، تدخل إلى
بيتك ، وليس في البيت أحد ، الثلاجة فيها ماء عذب فرات بارد ، ولا تستطيع
أن تضع قطرة ماء في جوفك ، لماذا ؟ من يحاسب ؟ لا أحد في الأرض يحاسبك ،
لذلك :
(( كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه ]
أول شيء الصوم عبادة الإخلاص .حِكمة الصيام : دورة تعبّدية
1 – دورة تعبدية :
لكن ما حكمته ؟ أنت في أشهر العام تأكل الطعام والشراب ، هل تشعر بذنب إذا
تناولت طعام الإفطار ؟ هل تشعر بذنب إذا شربت كأس ماء ؟ في أيام الإفطار هل
تشعر بذنب إذا قاربت زوجتك ، وهي حلال لك ؟ أبداً إطلاقاً ، ولا واحد
بالمليون ، الأشياء المباحة الحلال التي أبيحت لك ، ولا شيء عليك لو
مارستها محرمة في نهار رمضان ، إذا كان تناول الطعام والشراب وهو مباح في
غير رمضان ، محرماً في رمضان ، فلأن أن تدع المعاصي والآثام من باب أولى ،
كأن الله عز وجل قوى فيك الإرادة ، أنت ممتنع عن الطعام والشراب فهل يعقل
أن تكذب ؟ هل يعقل أن تغتاب ؟ هل يعقل أن تقول الباطل ؟ هل يعقل أن تغش
المسلمين ؟ أنت تارك الطعام والشراب الحلال تاركه ، فلأن تدع الحرام من باب
أولى ، فكأن الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر قوى لك الإرادة على أن تصوم
رمضان .
الإنسان أحياناً يستثني دورة محدودة ، قد لا يحتمل أن يدرس لخمسين سنة قادمة ، أما دورة في ثلاثين يوما فقط يستطع .2 – شهر المغفرة :
بالمناسبة :
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
للتقريب : المفاهيم المعاصرة واحد عليه 8 ملايين دينا ، أمواله كلها محجوزة
، عليه محاكمة ، وعليه سجن ، قيل له : افعل هذه الأفعال ثلاثين يوماً فقط ،
وبعدها أنت معفى من كل شيء ، 8 ملايين ألغيت ، والمحكمة ألغيت ، والحجوزات
ألغيت ، هل يتردد الواحد منا ثانية ؟ أنت في رمضان تفتح مع الله صفحة
جديدة .(( من صام رمضان ـ هذا في الصحاح ـ إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم
من ذنبه ))
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
إذاً أنت أمام فرصة ذهبية ، كيف ؟ تفتح مع الله صفحة جديدة .دع الأشغال وحلَّ المشكلات إلى ما بعد رمضان :
لكن هناك فكرة دقيقة ، يجب أن تكون سرعتك في رمضان مئة ، أنت هنا صفر ، أو
واحد ، أنت لا تقدر أن تمشي على الواحد ، لـ29 شعبان ، وتقفز فوراً للمئة ،
لا تستطيع ، المفروض أن تهيئ نفسك ، هناك مشكلة حلَّها قبل رمضان ، مشكلة
عويصة أجّلها إلى ما بعد رمضان ، محاولة كسوة بيت افعلها قبل رمضان ، لأن
رمضان شهر عبادة ، شهر تفرغ ، والحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام كان
يعتكف في رمضان ، وهو انقطاع عن العالم الخارجي كلياً ، أنا قد لا أحثكم
على أن تعتكفوا ، الحياة معقدة ، الحياة معقدة جداً ، ولكن معنى الاعتكاف
أن تنقطع عن العالم الخارجي ، عن عالم القيل والقال ، والسؤال والجواب ،
والنقد ، والهموم والأحزان ، هذا شهر دورة تدريبية مع الله ، لأن العبادة
فيها شحنة .
3 – شهر الشحنة الإيمانية :
أوضح مثل على ذك : الهاتف المحمول يحتاج إلى شحن ، فإن لم تشحنه تنطفئ
شاشته ويسكت ، أصبح قطعة بلاستيك لا قيمة لها إطلاقاً ، وأنت كمؤمن تحتاج
إلى شحن ، الشحن كم نوعا ؟ عندنا شحن يومي ، كلما وقفت في الصلاة من أجل أن
تُشحن شحنة روحية ، لذلك :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ
وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً
طَوِيلاً﴾
( سورة المزمل )
حينما تُشحن في صلاة الفجر تشعر طوال اليوم أنك ترى الحقيقة ، وأنك مالكٌ
لجوارحك ، وأن كلامك سديد ، وأن قلبك مستنير ، وأن نفسك مطمئنة ، وأن رحمة
الله تحفّ بك ، وأن توفيق الله عز وجل يؤيدك .
إذاً الصلاة شحنة ، لكن طبيعة الصلاة ثلث ساعة ، شحنة من الصباح إلى الظهر ،
الظهر شحنة ثانية إلى العصر ، العصر شحنة ثالثة ، إلى المغرب ، المغرب
شحنة إلى العشاء .
صلاة الفجر ، كنت في الفراش ، فالسنة قبلية وأنت نائم ، فالسنة قبل الفرض
تدريب ، الفرض صحوت ، باعتبار تعبك طوال النهار السنة في العشاء بعدية ،
السنة أقرب إلى النوم ، الفجر السنة قبلية ، العشاء سنة بعدية ، في الفجر
نفسك صافية ، وفي العشاء ركعتان تكفيان ، الظهر كنت في المحل التجاري ،
واحد أخذ عليك مبلغا ، والثاني أزعجك ، ما اشترى ، والرابع طالبك بدينه ،
أنت مشوش ، تصلي أربع ركعات ، اثنتين قبل ، واثنتين بعد ، دائماً الركعات
القبلية تهيئة ، والبعدية ترميم ، ما فاتك من الفرض ترممه في السنة البعدية
، لذلك صلوات النهار طويلة ، أما الفجر قصيرة ، صحوت صافي الذهن ، شحنة ،
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ))
[أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة ]
رمضان ثلاثون يوما من الصيام ، ومن قراءة قرآن ، ومن الذكر ، ومن صلاة
الفجر في المسجد ، ومن صلاة العشاء في المسجد ، وكل يوم عشرون ركعة تراويح ،
وثلاثون يوما من الإنفاق ، وغض بصر ، وضبط لسان ، رمضان شحنة من العام إلى
العام ، الحج شحنة إلى بقية العمر ، شهر من السفر وترك الأهل والأولاد ،
واستقبال الكعبة ، والطواف ، والسعي ، ووقوف بعرفات ، ووقوف بمنى ومزدلفة …
إلخ .
إذاً : العبادات شحنات ، وكلما كان الأمد أطول كانت الشحنة أشد ، هذا معنى من معاني الصيام .4 – الصيام تقوية النفس على الإرادة :
الصيام بادئ ذي بدء : عودك على أن تطيع الله ، لأنك تركت المباحات ، فلأن تدح المنهيات من باب أولى .
إذاً المسلم يصوم بفمه وجوارحه في رمضان ، وفي شوال يفطر بفمه فقط ، وتبقى
جوارحه صائمة إلى نهاية العام ، وغض بصره ، وضبط لسانه ، وتحري الحلال ،
هذا طوال العام ، هذا واحد .
إذاً : الصيام تقوية الإرادة على طاعة الله ، لكن نحن نتمنى من أعماق
أعماقنا ألاّ يكون صيامنا صيام حديث ، موسم رمضان في المجتمعات المعاصرة
موسم الأفلام ، موسم الفن ، موسم السهرات ، موسم الولائم ، موسم التخمة ،
موسم السهر إلى ساعة متأخرة من الليل ، المؤمن يجعل من هذا الشهر شهر عبادة
، لا شهر لقاءات وولائم ، وما شاكل ذلك ، والطبقة المخملية ـ والعياذ
بالله ـ صيام رمضان عندها فلكلور ، تأتي إلى الخيام الرمضانية تبدأ الخيمة
بتناول طعام الإفطار ، وتنتهي بالرقص والموسيقى والغناء ، رمضان عند
الشاردين موسم فني فقط ، وكل الأعمال الساقطة يكتبون عنها : ” إكراماً
لقدوم شهر رمضان المبارك ” ، نحن كمؤمنين هذا الشهر شهر عبادة ، يمكن أن
تقفز قفزة نوعية في هذا الشهر .5 ـ الشعور بالافتقار إلى الله :
شيء آخر : الله عز وجل قال :﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
( سورة النساء )
لكنه قد لا يرى ضعفه ، له منصب رفيع ، قوي الشخصية ، معه اتصالات ، ألف
إنسان يخضعون له ، لكن برمضان الساعة 12 نشف لسانه ، خواطره كلها كأس ماء
بارد ، كأس عرق سوس ، كأس عصير ، شيء بارد ، كأن الله أراد في رمضان أراد
أن يشعرنا بافتقارنا إليه ، لما قال الله عز وجل في الأنبياء :﴿
لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
( سورة الفرقان الآية : 20 )
ما معنى ذلك ؟ هذا الذي يأكل الطعام أي هو مفتقر في استمرار وجوده إلى أن
تناول الطعام ، إذاً هو ليس إلهاً ، الله عز وجل قال :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾
( سورة الإخلاص )
الصمد ، يعني أن وجوده ليس مفتقراً إلى غيره ، أما أنت فإن أغلقت أنفك
تختنق ، أنت مفتقر للهواء ، وأكثر من ثلاث دقائق تموت ، وأنت مفتقر للماء ،
ومفتقر للطعام ، ومفتقر للنوم ، ومفتقر لزوجة ، مفتقر إلى بعض الأدوات
والأجهزة ، لذلك في رمضان يشعر المؤمن بافتقاره إلى الله عز وجل ، فما هي
العبودية ؟ أن تفتقر إلى الله .﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
يعني مفتقرون ، أما في حنين فلم يكونوا مفتقرين ، فقالوا :
(( لن تغلب اليوم من قلة ))
[ أخرجه البيهقي عن أنس ]
نحن كثر .﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ
تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
( سورة التوبة )
أيها الإخوة ، إحساسك بالجوع والعطش نوع من الافتقار إلى الله ، أنت ـ
عفواً ـ لا تعرف قيمة هذا القميص الذي ترتديه إلا في الحج ، حيث ترتدي
منشفتين ، هنا قميص له أكمام ، له أزرار ، فضفاض ، هناك ترتدي منشفتين ، لا
تعرف قيمة الثياب إلا في الحج ، لذلك من توجيهات النبي عليه الصلاة
والسلام :
(( اللهم أرنا نعمك بوفرتها لا بفقدها ))
[ ورد في الأثر ]
الشيء بالشيء يذكر : نحن كنا ننعم بما يسمى بتوازن القوى في العالم ، بوجود
معسكرين كبيرين بينهما حرب باردة ، وكلما تحرك معسكر ليأخذ ما ليس تصدى له
المعسكر الآخر ، فكل الدول الضعيفة تنعم برخاء بأمن واستقرار ، لوجود
معسكرين ، لكن يوم كنا نعيش هذه الحرب الباردة ما كنا نعرف أن في الأرض
معسكرين ، أما حينما انفرد قطر واحد رأينا منه الأهوال ، رأينا منه القهر ،
والنهب ، والسلب ، والإذلال ، رأينا منه أنه فرض علينا ثقافته وإباحيته .
إذاً البطولة أن ترى النعمة بوفرتها ، لا بزوالها ، جميع الأغبياء يعرفون
النعم عند غيابها ، لكن الأذكياء الموفقون يعرفون النعم بفورتها .
لذلك مرة سأل وزير ملكا ، وقد طلب كأساً من الماء ، قال له : يا أمير
المؤمنين ، بكم تشتري هذا الكأس من الماء لو منع منك ؟ قال : بنصف ملكي ،
قال : فإذا منع إخراجه ؟ قال : بنصف ملكي الآخر ، مُلك طويل عريض يساوي كأس
ماء .
لذلك نحن في رمضان مفتقرون إلى الله ، بكأس ماء ، لقمة طعام .6 ـ الشعور بمعاناة الفقر والجائع :
شيء آخر : فكرة ، ومعاناة : لو أن لك صديقا نشأ خلاف بينه وبين زوجته ،
وزوجته تركته إلى بيت أهلها ، أنت عندك فكرة أن زوجة صديقك ذهبت إلى بيت
أهلها ، هذه فكرة لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تؤثر على سلامتك وسعادتك ، أما
الصديق فيأتي ظهراً فلا يجد زوجة ، وطبخا ، ولا طعاما ، الأولاد يحتاجون
إلى عناية ، الصديق عنده المعاناة ، وأنت عندك فكرة هجر الزوجة ، الفرق
كبير .
مثلاً : لو أريتك خارطة لقصر ، وفيها كل شيء ، الطوابق ، والغرف مساحاتها ، الشرفات ، هذه فكرة ، أما أن تملك هذا القصر فشيء ثانٍ .
لو قلت لك : مئة مليون دولار ، هذه واضحة ، بين أن تملكها وأن تنطق بها فرق كبير جداً ، مئة مليون دولار ، النطق بها سهل جداً .
لذلك في رمضان تعرف معاناة الفقير أبداً ، الفقراء في أول الثورة الفرنسية
ما وجودوا خبزا ، تقول ماري أنطوانيت : يأكلون ( الكاتو ) ، إذا ما وجد
أحدنا خبزا يأكل ( الكاتو )، وهو أطيب ، فلا معاناة إطلاقاً .
لذلك قالوا :لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
***
أنت في رمضان يمكن أن تعاني مشكلة الفقير ، أنت جائع ، الذي ملأ معدته
بالأكل لا يعنيه ، أما الجائع فمنظر الأكل ، ورائحة الطعام تعنيه ، إذاً :
يمكن أن تشعر بجوع الفقير في رمضان ، وأن الجوع شيء لا يحتمل ، الله عز وجل
ذكر نعمتين عظيمتين من نعمه ، فقال :﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
( سورة قريش )
أكبر نعمتين على الإطلاق أن تأكل فلا تجوع ، وأن تأمن فلا تخاف ، الآن أكبر
عقابين للأقوام الفاسدة :﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ
آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
( سورة النحل )
أكبر نعمتين الشبع والأمن ، وأكبر نقمتين الجوع والخوف ،﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ
اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ ﴾
إذاً أنت في رمضان فضلاً عن أنك تستعين بالصيام على طاعة الله التامة لأنك تركت الحلال ، تركت المباح فلأن تدع الحرام من باب أولى .
وأعانك الله بالصيام على أن تشعر بجوع الفقير ، أعانك الله بالصيام على أن تشعر بعبوديتك لله عز وجل .الصيام عبادة جماعية :
شيء آخر ، الصيام عبادة جماعية ، تصور بلدنا خمسة ملايين في دمشق يأكلون في
ثانية واحدة عقب إطلاق مدفع الإفطار ، الطرقات فارغة ، عبادة جماعية ،
النظام محبب ، فكأن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نُنظم ، تجد في رمضان
النظام ، الإمساك عن الطعام يتم مع أذان الإمساك ، الصلوات في المسجد ،
الفجر في المسجد ، العشاء في المسجد ، الإفطار في وقت واحد ، لذلك الصيام
عبادة جماعية ، يعلّم التعاون ، يعلّم النظام .
حدثني مرة أخ والده ضابط ، نحن من ثلاثين سنة نتناول طعام الغداء مع دقات
ساعة بيك بن ، الساعة الثانية ، في البيت نظام صارم ، وجبات الطعام لها
أوقات .
النظام حضارة أيها الإخوة ، أحياناً يأتي سائح أجنبي يرى الطرقات عند
المغرب فارغة ، ما هذا ؟ يشعر أن هناك عبادة جماعية ، الله عز وجل أرادنا
أن نكون منظمين .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾
( سورة الصف )
الصلاة أيضاً فيها نظام ، فيها أقات .
مرة قال لي أحدهم : أنا أصلي قبل دخول العصر ، وهذا أكثر راحة لي ، هناك نظام صارم جداً في الصلوات الخمس ، وفي الصيام .
حج رجلٌ بيت الله الحرام ، له منصب رفيع بمصر ، في أثناء العودة بالطائرة
قال : والله هناك عناية بالغة ، لكن لو أقاموا الحج على خمس دورات ، كل
شهرين دورة لا يكون هناك ازدحام ، أين هو من فهم هذه العبادة ؟! هي عبادة
اجتماع .
أنا كنت في القاهرة بمؤتمر إسلامي ، طربت طرباً شديداً لاقتراح وزير أوقاف
مسلم قال : لو أن كل حاج باستمارته تكتب حرفته ، وعلى الكمبيوتر نفرزه ،
مثلاً : مدرسو الجامعات يعقدون مؤتمرا بمنى لحلّ المشكلات ، والهموم
المشتركة ، عندكم صناعيين يقيمون مؤتمرا ، وللمزارعين مؤتمر ، وللتجار
مؤتمر ، ولأصحاب الوظائف المعينة مؤتمر ، الحج كأن الله أرادك أن تلتقي بكل
المسلمين .
والحقيقة في الحج يرى الإنسان من كل الجنسيات .
إذاً : أراد الله من الصيام أن تكون عبادة جماعية ، والعزائم التي يقوم بها
المؤمن ، ويفتقر إليها بعض المؤمنين تؤدى في رمضان بيسر وسهولة .
إذاً : أيها الإخوة ، هذه بعض الملامح التي تلوح في الأفق بهذا الشهر
الكريم الذي هو فرصة ذهبية لا تعوض إلا بعد عام آخر ، كي تصطلح مع الله
.الخلاصة :
بالمناسبة ، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض ، أن
هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، إذا رجع العبد إلى الله أنسى الله
الملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، إذا تاب العبد توبة نصوحاً أنسى
الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، ورمضان فرصة
لفتح صفحة جديدة مع الله ، فرصة جديدة للإقبال على الله .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد
الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم
علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً
وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن
يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات
إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس التربية الإسلامية ، وسيكون محور
هذا الدرس ما نحن قادمون عليه بعد عدة أسابيع من فريضة تعد ثاني أكبر
العبادات في الإسلام .
أصول الإسلام :
لكن بادئ ذي بدء : العبادات في هذا الدين العظيم كما قال الإمام الشافعي :
معللة بمصالح الخلق ، إن صح أن هناك مثلثاً لهذا الدين العظيم :
المقطع الأول : العقائد .
المقطع الثاني : العبادات .
المقطع الثالث : المعاملات .
المقطع الرابع : الآداب .
فالدين عقيدة ، وعبادة ، وأحكام تعاملية ، وآداب .
1 – العقيدة :
والعقيدة تقع على رأس هذه الأقسام ، وإن صحت العقيدة صح العمل ، وإن فسدت العقيدة فسد العمل .2 – العبادات :
المقطع الثاني : هي العبادات ، العبادات كما قال الإمام الشافعي : معللة
بمصالح الخلق ، فالصلاة بنص القرآن الكريم :﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
أ ـ الصلاة :
الله عز وجل ملك الملوك ، خالق السماوات والأرض ، يمكن أن يأمرنا أن نصلي
ولكن رحمة بنا أعطانا تعليلاًً للصلاة ، كلما كان الآمر أكمل أعطى المأمور
التعليل قال :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
إذاً : الصلاة معللة بمصالح الإنسان ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، والفحشاء والمنكر سبب هلاكه في الدنيا والآخرة .
الآن هذا التعليل مهمته أنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فما قطف
ثماراً من الصلاة ، لئلا تقوم بأفعال لا معنى لها ، لئلا تقوم بأفعال لا
فائدة منها ، لئلا تقوم بأفعال مفرغة من مضمونها ، قال :﴿ وَأَقِمْ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( الصلاة طهور ))
[ ورد في الأثر]
مستحيل أن يكون المصلي حقوداً ، الحقد مرض ، مستحيل أن يكون المصلي ظالماً ،
الظلم مرض ، مستحيل أن يكون المصلي مستكبراً ، الكبر مرض ، واحد .
الشيء الثاني : الصلاة حبور ، سعادة ،(( أرحنا بها يا بلال ))
[ أبو داود]
فالذي لسان حاله يقول : أرحنا منها لم يقطف ثمار الصلاة ، فرق كبير بين أرحنا بها ، وبين أرحنا منها .
والصلاة نور ، من خلال الصلاة ترى الخير خيراً والشر شراً ، ترى الخير
خيراً فتتبعه ، وترى الشر شراً فتجتنبه ، والدليل :﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
( سورة الحديد الآية : 28 )
فالصلاة نور ، والصلاة طهور ، والصلاة حبور ، والصلاة ميزان ، هل تستطيع ،
وبلا مجاملة إن ارتكبت إثماً ، أو اعتديت على إنسان على ماله أو على عرضه
أن تصلي ، بإمكانك أن تقف ، وتقرأ الفاتحة وسورة ، بإمكانك أن تركع وتسجد ،
لكن ليس بإمكانك أن تتصل بالله ، لأن ذنبك حجبك عن الله عز وجل ، فالصلاة
ميزان صارت .(( الصلاة مكيال فمن وفى استوفى ))
[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
( سورة النساء الآية : 43 )
فالذي لا يعلم ماذا يقول في الصلاة إذاً هو لم يصلِ الصلاة التي أرادها الله .(( ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منه ))
[ أخرجه أحمد عن عمار بن ياسر ]
الصلاة قرب ، وفي القرآن الكريم :﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
( سورة العلق )
الصلاة دعاء :
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾
( سورة الفاتحة )
الصلاة ذكر :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
( سورة طه )
الصلاة معراج المؤمن ، الصلاة أصل الطاعات ، وغرة العبادات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .
إذاً العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ، هذه الصلاة .ب ـ الصيام :
الصيام منطلق حديثنا .(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا ))
[ رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس ]
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
[ أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]
معنى ذلك أنه في الصيام بحسب الواحد الديان :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
( سورة البقرة )
لعلك إذا صمت ، وتركت كل المعاصي والآثام ، وأقبلت على الواحد الديان ،
واشتققت منه النور رأيت الحق حقاً والباطل باطلاً :﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
إذاً العبادات معللة بمصالح الخلق .ت ـ الزكاة :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
الغني يطهر من مرض الشح ، قال تعالى :﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
( سورة الحشر )
ومن أدى زكاة ماله أذهب الله عنه الشح ، والفقير يطهر بالزكاة من مرض الحقد
، لأن الفقير يحقد ، فإن أعطيت له الزكاة لا يغدو حاقداً ، والمال يطهر من
تعلق حق الغير به .﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
التزكية أي أن نفس الفقير تنمو ، لأنه شعر أن المجتمع لم ينسه ، ونفس الغني
تنمو حينما يشعر أنه أدخل الفرحة على قلوب الآلاف ، والمال ينمو ، التعليل
:﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
ث ـ الحج :
(( من حج بمال حرام ، ووضع رجله في الركاب ، وقال : لبيك اللهم لبيك ينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
لذلك قال تعالى :﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾
( سورة المائدة الآية : 97 )
أنت لمجرد أن تعلم أن الله يعلم فقد حققت الثمرة من الحج .
بل والنطق بالشهادة من أركان الإيمان ، أن تشهد أنه إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل وما حقها ؟ قال أن تحجبه عن محارم الله ))
قلت كلمة في بداية الدرس : العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ، لو أردنا أن نقف موقفة متأنية عند الصيام .من تعريفات الصيام :
من تعريفات الصيام :
أنه عبادة الإخلاص ، كيف ؟ قد يأتي رمضان في الصيف ، واليوم في الصيف طويل ،
قد يقترب من 17 ساعة ، والحر شديد ، والعطش يكاد يميت الإنسان ، تدخل إلى
بيتك ، وليس في البيت أحد ، الثلاجة فيها ماء عذب فرات بارد ، ولا تستطيع
أن تضع قطرة ماء في جوفك ، لماذا ؟ من يحاسب ؟ لا أحد في الأرض يحاسبك ،
لذلك :
(( كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه ]
أول شيء الصوم عبادة الإخلاص .حِكمة الصيام : دورة تعبّدية
1 – دورة تعبدية :
لكن ما حكمته ؟ أنت في أشهر العام تأكل الطعام والشراب ، هل تشعر بذنب إذا
تناولت طعام الإفطار ؟ هل تشعر بذنب إذا شربت كأس ماء ؟ في أيام الإفطار هل
تشعر بذنب إذا قاربت زوجتك ، وهي حلال لك ؟ أبداً إطلاقاً ، ولا واحد
بالمليون ، الأشياء المباحة الحلال التي أبيحت لك ، ولا شيء عليك لو
مارستها محرمة في نهار رمضان ، إذا كان تناول الطعام والشراب وهو مباح في
غير رمضان ، محرماً في رمضان ، فلأن أن تدع المعاصي والآثام من باب أولى ،
كأن الله عز وجل قوى فيك الإرادة ، أنت ممتنع عن الطعام والشراب فهل يعقل
أن تكذب ؟ هل يعقل أن تغتاب ؟ هل يعقل أن تقول الباطل ؟ هل يعقل أن تغش
المسلمين ؟ أنت تارك الطعام والشراب الحلال تاركه ، فلأن تدع الحرام من باب
أولى ، فكأن الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر قوى لك الإرادة على أن تصوم
رمضان .
الإنسان أحياناً يستثني دورة محدودة ، قد لا يحتمل أن يدرس لخمسين سنة قادمة ، أما دورة في ثلاثين يوما فقط يستطع .2 – شهر المغفرة :
بالمناسبة :
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
للتقريب : المفاهيم المعاصرة واحد عليه 8 ملايين دينا ، أمواله كلها محجوزة
، عليه محاكمة ، وعليه سجن ، قيل له : افعل هذه الأفعال ثلاثين يوماً فقط ،
وبعدها أنت معفى من كل شيء ، 8 ملايين ألغيت ، والمحكمة ألغيت ، والحجوزات
ألغيت ، هل يتردد الواحد منا ثانية ؟ أنت في رمضان تفتح مع الله صفحة
جديدة .(( من صام رمضان ـ هذا في الصحاح ـ إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم
من ذنبه ))
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
إذاً أنت أمام فرصة ذهبية ، كيف ؟ تفتح مع الله صفحة جديدة .دع الأشغال وحلَّ المشكلات إلى ما بعد رمضان :
لكن هناك فكرة دقيقة ، يجب أن تكون سرعتك في رمضان مئة ، أنت هنا صفر ، أو
واحد ، أنت لا تقدر أن تمشي على الواحد ، لـ29 شعبان ، وتقفز فوراً للمئة ،
لا تستطيع ، المفروض أن تهيئ نفسك ، هناك مشكلة حلَّها قبل رمضان ، مشكلة
عويصة أجّلها إلى ما بعد رمضان ، محاولة كسوة بيت افعلها قبل رمضان ، لأن
رمضان شهر عبادة ، شهر تفرغ ، والحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام كان
يعتكف في رمضان ، وهو انقطاع عن العالم الخارجي كلياً ، أنا قد لا أحثكم
على أن تعتكفوا ، الحياة معقدة ، الحياة معقدة جداً ، ولكن معنى الاعتكاف
أن تنقطع عن العالم الخارجي ، عن عالم القيل والقال ، والسؤال والجواب ،
والنقد ، والهموم والأحزان ، هذا شهر دورة تدريبية مع الله ، لأن العبادة
فيها شحنة .
3 – شهر الشحنة الإيمانية :
أوضح مثل على ذك : الهاتف المحمول يحتاج إلى شحن ، فإن لم تشحنه تنطفئ
شاشته ويسكت ، أصبح قطعة بلاستيك لا قيمة لها إطلاقاً ، وأنت كمؤمن تحتاج
إلى شحن ، الشحن كم نوعا ؟ عندنا شحن يومي ، كلما وقفت في الصلاة من أجل أن
تُشحن شحنة روحية ، لذلك :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ
وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً
طَوِيلاً﴾
( سورة المزمل )
حينما تُشحن في صلاة الفجر تشعر طوال اليوم أنك ترى الحقيقة ، وأنك مالكٌ
لجوارحك ، وأن كلامك سديد ، وأن قلبك مستنير ، وأن نفسك مطمئنة ، وأن رحمة
الله تحفّ بك ، وأن توفيق الله عز وجل يؤيدك .
إذاً الصلاة شحنة ، لكن طبيعة الصلاة ثلث ساعة ، شحنة من الصباح إلى الظهر ،
الظهر شحنة ثانية إلى العصر ، العصر شحنة ثالثة ، إلى المغرب ، المغرب
شحنة إلى العشاء .
صلاة الفجر ، كنت في الفراش ، فالسنة قبلية وأنت نائم ، فالسنة قبل الفرض
تدريب ، الفرض صحوت ، باعتبار تعبك طوال النهار السنة في العشاء بعدية ،
السنة أقرب إلى النوم ، الفجر السنة قبلية ، العشاء سنة بعدية ، في الفجر
نفسك صافية ، وفي العشاء ركعتان تكفيان ، الظهر كنت في المحل التجاري ،
واحد أخذ عليك مبلغا ، والثاني أزعجك ، ما اشترى ، والرابع طالبك بدينه ،
أنت مشوش ، تصلي أربع ركعات ، اثنتين قبل ، واثنتين بعد ، دائماً الركعات
القبلية تهيئة ، والبعدية ترميم ، ما فاتك من الفرض ترممه في السنة البعدية
، لذلك صلوات النهار طويلة ، أما الفجر قصيرة ، صحوت صافي الذهن ، شحنة ،
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ))
[أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة ]
رمضان ثلاثون يوما من الصيام ، ومن قراءة قرآن ، ومن الذكر ، ومن صلاة
الفجر في المسجد ، ومن صلاة العشاء في المسجد ، وكل يوم عشرون ركعة تراويح ،
وثلاثون يوما من الإنفاق ، وغض بصر ، وضبط لسان ، رمضان شحنة من العام إلى
العام ، الحج شحنة إلى بقية العمر ، شهر من السفر وترك الأهل والأولاد ،
واستقبال الكعبة ، والطواف ، والسعي ، ووقوف بعرفات ، ووقوف بمنى ومزدلفة …
إلخ .
إذاً : العبادات شحنات ، وكلما كان الأمد أطول كانت الشحنة أشد ، هذا معنى من معاني الصيام .4 – الصيام تقوية النفس على الإرادة :
الصيام بادئ ذي بدء : عودك على أن تطيع الله ، لأنك تركت المباحات ، فلأن تدح المنهيات من باب أولى .
إذاً المسلم يصوم بفمه وجوارحه في رمضان ، وفي شوال يفطر بفمه فقط ، وتبقى
جوارحه صائمة إلى نهاية العام ، وغض بصره ، وضبط لسانه ، وتحري الحلال ،
هذا طوال العام ، هذا واحد .
إذاً : الصيام تقوية الإرادة على طاعة الله ، لكن نحن نتمنى من أعماق
أعماقنا ألاّ يكون صيامنا صيام حديث ، موسم رمضان في المجتمعات المعاصرة
موسم الأفلام ، موسم الفن ، موسم السهرات ، موسم الولائم ، موسم التخمة ،
موسم السهر إلى ساعة متأخرة من الليل ، المؤمن يجعل من هذا الشهر شهر عبادة
، لا شهر لقاءات وولائم ، وما شاكل ذلك ، والطبقة المخملية ـ والعياذ
بالله ـ صيام رمضان عندها فلكلور ، تأتي إلى الخيام الرمضانية تبدأ الخيمة
بتناول طعام الإفطار ، وتنتهي بالرقص والموسيقى والغناء ، رمضان عند
الشاردين موسم فني فقط ، وكل الأعمال الساقطة يكتبون عنها : ” إكراماً
لقدوم شهر رمضان المبارك ” ، نحن كمؤمنين هذا الشهر شهر عبادة ، يمكن أن
تقفز قفزة نوعية في هذا الشهر .5 ـ الشعور بالافتقار إلى الله :
شيء آخر : الله عز وجل قال :﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
( سورة النساء )
لكنه قد لا يرى ضعفه ، له منصب رفيع ، قوي الشخصية ، معه اتصالات ، ألف
إنسان يخضعون له ، لكن برمضان الساعة 12 نشف لسانه ، خواطره كلها كأس ماء
بارد ، كأس عرق سوس ، كأس عصير ، شيء بارد ، كأن الله أراد في رمضان أراد
أن يشعرنا بافتقارنا إليه ، لما قال الله عز وجل في الأنبياء :﴿
لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
( سورة الفرقان الآية : 20 )
ما معنى ذلك ؟ هذا الذي يأكل الطعام أي هو مفتقر في استمرار وجوده إلى أن
تناول الطعام ، إذاً هو ليس إلهاً ، الله عز وجل قال :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾
( سورة الإخلاص )
الصمد ، يعني أن وجوده ليس مفتقراً إلى غيره ، أما أنت فإن أغلقت أنفك
تختنق ، أنت مفتقر للهواء ، وأكثر من ثلاث دقائق تموت ، وأنت مفتقر للماء ،
ومفتقر للطعام ، ومفتقر للنوم ، ومفتقر لزوجة ، مفتقر إلى بعض الأدوات
والأجهزة ، لذلك في رمضان يشعر المؤمن بافتقاره إلى الله عز وجل ، فما هي
العبودية ؟ أن تفتقر إلى الله .﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
يعني مفتقرون ، أما في حنين فلم يكونوا مفتقرين ، فقالوا :
(( لن تغلب اليوم من قلة ))
[ أخرجه البيهقي عن أنس ]
نحن كثر .﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ
تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
( سورة التوبة )
أيها الإخوة ، إحساسك بالجوع والعطش نوع من الافتقار إلى الله ، أنت ـ
عفواً ـ لا تعرف قيمة هذا القميص الذي ترتديه إلا في الحج ، حيث ترتدي
منشفتين ، هنا قميص له أكمام ، له أزرار ، فضفاض ، هناك ترتدي منشفتين ، لا
تعرف قيمة الثياب إلا في الحج ، لذلك من توجيهات النبي عليه الصلاة
والسلام :
(( اللهم أرنا نعمك بوفرتها لا بفقدها ))
[ ورد في الأثر ]
الشيء بالشيء يذكر : نحن كنا ننعم بما يسمى بتوازن القوى في العالم ، بوجود
معسكرين كبيرين بينهما حرب باردة ، وكلما تحرك معسكر ليأخذ ما ليس تصدى له
المعسكر الآخر ، فكل الدول الضعيفة تنعم برخاء بأمن واستقرار ، لوجود
معسكرين ، لكن يوم كنا نعيش هذه الحرب الباردة ما كنا نعرف أن في الأرض
معسكرين ، أما حينما انفرد قطر واحد رأينا منه الأهوال ، رأينا منه القهر ،
والنهب ، والسلب ، والإذلال ، رأينا منه أنه فرض علينا ثقافته وإباحيته .
إذاً البطولة أن ترى النعمة بوفرتها ، لا بزوالها ، جميع الأغبياء يعرفون
النعم عند غيابها ، لكن الأذكياء الموفقون يعرفون النعم بفورتها .
لذلك مرة سأل وزير ملكا ، وقد طلب كأساً من الماء ، قال له : يا أمير
المؤمنين ، بكم تشتري هذا الكأس من الماء لو منع منك ؟ قال : بنصف ملكي ،
قال : فإذا منع إخراجه ؟ قال : بنصف ملكي الآخر ، مُلك طويل عريض يساوي كأس
ماء .
لذلك نحن في رمضان مفتقرون إلى الله ، بكأس ماء ، لقمة طعام .6 ـ الشعور بمعاناة الفقر والجائع :
شيء آخر : فكرة ، ومعاناة : لو أن لك صديقا نشأ خلاف بينه وبين زوجته ،
وزوجته تركته إلى بيت أهلها ، أنت عندك فكرة أن زوجة صديقك ذهبت إلى بيت
أهلها ، هذه فكرة لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تؤثر على سلامتك وسعادتك ، أما
الصديق فيأتي ظهراً فلا يجد زوجة ، وطبخا ، ولا طعاما ، الأولاد يحتاجون
إلى عناية ، الصديق عنده المعاناة ، وأنت عندك فكرة هجر الزوجة ، الفرق
كبير .
مثلاً : لو أريتك خارطة لقصر ، وفيها كل شيء ، الطوابق ، والغرف مساحاتها ، الشرفات ، هذه فكرة ، أما أن تملك هذا القصر فشيء ثانٍ .
لو قلت لك : مئة مليون دولار ، هذه واضحة ، بين أن تملكها وأن تنطق بها فرق كبير جداً ، مئة مليون دولار ، النطق بها سهل جداً .
لذلك في رمضان تعرف معاناة الفقير أبداً ، الفقراء في أول الثورة الفرنسية
ما وجودوا خبزا ، تقول ماري أنطوانيت : يأكلون ( الكاتو ) ، إذا ما وجد
أحدنا خبزا يأكل ( الكاتو )، وهو أطيب ، فلا معاناة إطلاقاً .
لذلك قالوا :لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
***
أنت في رمضان يمكن أن تعاني مشكلة الفقير ، أنت جائع ، الذي ملأ معدته
بالأكل لا يعنيه ، أما الجائع فمنظر الأكل ، ورائحة الطعام تعنيه ، إذاً :
يمكن أن تشعر بجوع الفقير في رمضان ، وأن الجوع شيء لا يحتمل ، الله عز وجل
ذكر نعمتين عظيمتين من نعمه ، فقال :﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
( سورة قريش )
أكبر نعمتين على الإطلاق أن تأكل فلا تجوع ، وأن تأمن فلا تخاف ، الآن أكبر
عقابين للأقوام الفاسدة :﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ
آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
( سورة النحل )
أكبر نعمتين الشبع والأمن ، وأكبر نقمتين الجوع والخوف ،﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ
اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ ﴾
إذاً أنت في رمضان فضلاً عن أنك تستعين بالصيام على طاعة الله التامة لأنك تركت الحلال ، تركت المباح فلأن تدع الحرام من باب أولى .
وأعانك الله بالصيام على أن تشعر بجوع الفقير ، أعانك الله بالصيام على أن تشعر بعبوديتك لله عز وجل .الصيام عبادة جماعية :
شيء آخر ، الصيام عبادة جماعية ، تصور بلدنا خمسة ملايين في دمشق يأكلون في
ثانية واحدة عقب إطلاق مدفع الإفطار ، الطرقات فارغة ، عبادة جماعية ،
النظام محبب ، فكأن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نُنظم ، تجد في رمضان
النظام ، الإمساك عن الطعام يتم مع أذان الإمساك ، الصلوات في المسجد ،
الفجر في المسجد ، العشاء في المسجد ، الإفطار في وقت واحد ، لذلك الصيام
عبادة جماعية ، يعلّم التعاون ، يعلّم النظام .
حدثني مرة أخ والده ضابط ، نحن من ثلاثين سنة نتناول طعام الغداء مع دقات
ساعة بيك بن ، الساعة الثانية ، في البيت نظام صارم ، وجبات الطعام لها
أوقات .
النظام حضارة أيها الإخوة ، أحياناً يأتي سائح أجنبي يرى الطرقات عند
المغرب فارغة ، ما هذا ؟ يشعر أن هناك عبادة جماعية ، الله عز وجل أرادنا
أن نكون منظمين .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾
( سورة الصف )
الصلاة أيضاً فيها نظام ، فيها أقات .
مرة قال لي أحدهم : أنا أصلي قبل دخول العصر ، وهذا أكثر راحة لي ، هناك نظام صارم جداً في الصلوات الخمس ، وفي الصيام .
حج رجلٌ بيت الله الحرام ، له منصب رفيع بمصر ، في أثناء العودة بالطائرة
قال : والله هناك عناية بالغة ، لكن لو أقاموا الحج على خمس دورات ، كل
شهرين دورة لا يكون هناك ازدحام ، أين هو من فهم هذه العبادة ؟! هي عبادة
اجتماع .
أنا كنت في القاهرة بمؤتمر إسلامي ، طربت طرباً شديداً لاقتراح وزير أوقاف
مسلم قال : لو أن كل حاج باستمارته تكتب حرفته ، وعلى الكمبيوتر نفرزه ،
مثلاً : مدرسو الجامعات يعقدون مؤتمرا بمنى لحلّ المشكلات ، والهموم
المشتركة ، عندكم صناعيين يقيمون مؤتمرا ، وللمزارعين مؤتمر ، وللتجار
مؤتمر ، ولأصحاب الوظائف المعينة مؤتمر ، الحج كأن الله أرادك أن تلتقي بكل
المسلمين .
والحقيقة في الحج يرى الإنسان من كل الجنسيات .
إذاً : أراد الله من الصيام أن تكون عبادة جماعية ، والعزائم التي يقوم بها
المؤمن ، ويفتقر إليها بعض المؤمنين تؤدى في رمضان بيسر وسهولة .
إذاً : أيها الإخوة ، هذه بعض الملامح التي تلوح في الأفق بهذا الشهر
الكريم الذي هو فرصة ذهبية لا تعوض إلا بعد عام آخر ، كي تصطلح مع الله
.الخلاصة :
بالمناسبة ، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض ، أن
هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، إذا رجع العبد إلى الله أنسى الله
الملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، إذا تاب العبد توبة نصوحاً أنسى
الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، ورمضان فرصة
لفتح صفحة جديدة مع الله ، فرصة جديدة للإقبال على الله .
الجمعة مايو 07, 2021 10:17 pm من طرف Admin
» اشتركت في أرب ايدل قلدت الاجنة..
الإثنين نوفمبر 06, 2017 6:41 am من طرف تاجر السعادة
» المشروب الخاص فلاديمير بوتن رئيس روسيا. ابو رأسين.
الإثنين نوفمبر 06, 2017 6:38 am من طرف تاجر السعادة
» تعرف على لبنان في دقائق..هلا بلخميس
الإثنين نوفمبر 06, 2017 6:34 am من طرف تاجر السعادة
» روعه جدا كيف أجد المرآه المناسبه
الجمعة سبتمبر 29, 2017 4:23 pm من طرف نور
» قصيده هزت كياني بمشاعرها العظيمه
الإثنين سبتمبر 25, 2017 12:31 pm من طرف نور
» أابكتني أ ب يوصي ولده
الإثنين سبتمبر 25, 2017 9:35 am من طرف نور
» أجمل لحظات السعادة في حياة الزوجة العربية المشحرة
السبت سبتمبر 16, 2017 8:17 am من طرف نور
» ااسالك عن اسباب الخصام
الخميس سبتمبر 14, 2017 10:24 am من طرف نور